يا فرحة التجار.
جمال بنون الحياة - 20/08/07//
من حق التجار السعوديين ووكلاء المنتجات والسلع والأجهزة الكهربائية ومواد البناء، وكل ما يتعلق بحياة الناس اليومية، أن يفتخروا بأن وزير التجارة الدكتور هاشم يماني يقوم لوحده بالدفاع عنهم والوقوف بجانبهم وخلق مبررات وأسباب يريد من الناس أن يقتنعوا بأن زيادة الأسعار هذه لا ناقة للتجار فيها ولا جمل. لهذا فإن هذه الزيادة كان يجب أن تحدث قبل سنوات، وأن وكلاءنا وتجارنا- ولا أريد أن أقول جميعهم- الغالبية العظمى منهم تأثروا مباشرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتراجع سعر الدولار وارتفاع كلفة الإنتاج، ولهذا فان مراقبة الأسواق والتأكد من سلامة الأسعار أمر لا فائدة منه!.
تعودنا من وزارة التجارة أن تطلق دائماً تصريحات صحافية في كل أزمة تحدث في السوق، إن كان ذلك بالنسبة لارتفاع الأسعار أو وجود مخالفات أو اكتشاف مواد استهلاكية مقلدة، وينتهي الأمر إلى أن ما يحدث أمر طبيعي، ولا داعي للقلق، وكأن الناس «يفترون» على الوزارة بالقصور وقلة المتابعة، وكل هؤلاء الناس غير صادقين، والوزير وموظفوه هم الصادقون وحدهم.
تابعوا كل التصريحات والمقابلات الصحافية، ستكتشفون أن كل تصريحات الوزارة كانت فقط من أجل حماية موظفي الوزارة من التقصير، ومبررات لا يمكن أن نعقلها، ربما نقتنع أن هناك سلعاً ومواد استهلاكية تأثرت نتيجة ما يحدث في الأسواق العالمية من زيادة في الأسعار أو كلفة الإنتاج أو قلة المحصول، مثلما يحدث في الأرز.
في اللقاء الأخير لوزير التجارة في التلفزيون السعودي، تحفظ الوزير على الكثير من النقاط، مع أنني كنت أتوقع أن يكون أكثر إقناعاً لنا بحجج معالجته للمشكلة في برنامج «بلا تحفظ»، الذي يقدمه الصحافي الاقتصادي والإعلامي طلعت حافظ. مع كل هذه الزيادة الموجودة في السوق ينفي الوزير أن يكون هناك أي احتكار أو ارتفاع غير مبرر للأسعار يستدعي تدخل الوزارة.
كنا نود فقط أن يخبرنا الوزير متى يمكن أن نتصل بالوزارة لكي نستنجد بها؟ وما الحالات التي تستوجب ذلك، إذا كانت المساهمات العقارية الوهمية لم تحرك مسؤولي التجارة، ولا بطاقات سوا، ولا حتى جمع الأموال أو حتى الشركات الوهمية، وشركات المساهمة التي أفلست وضاعت حقوق المساهمين فيها، والسلع المقلدة والمغشوشة؟. كل هذه لم تحرك ساكناً لدى المسؤولين في وزارة التجارة لحماية المستهلك!
فمتى «بالله عليكم» يمكن أن تتحرك؟ هل بعد أن يمزق الناس ثيابهم من زيادة الأسعار، وتتفشى ظاهرة السرقة، ويبحثون عن طرق ملتوية لجمع الأموال حتى يتمكنوا من شراء السلع والحاجات؟
وهل يكفي 200 مراقب لتغطية أسواق بلد مترامي الأطراف؟ وهل تكفي رواتب المراقبين ليتمكنوا من أداء دورهم وتنقلاتهم بحيادية وأمانة في نقل الصورة؟ وهل يمتلك هؤلاء المراقبون من الصلاحيات والقرارات ما يضفي عليهم المهابة في نظر التجار؟
مؤشرات زيادة الأسعار في كل السلع بدأت قبل ثلاث سنوات، بدءاً من مواد البناء والأدوات الصحية والأدوية، وحينها ارتفعت أصوات تقول إن سبب هذه الزيادة هو تصدير الاسمنت السعودي إلى العراق، كما أن النمو العمراني والعقاري في البلاد استهلك كميات كبيرة، ما تسبب في أزمة نقص الاسمنت، واستغل بعدها تجار الدهانات والمواد الخشبية والحديدية ذلك، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولم نسمع أبداً بأن شركات مقاولات فازت بعقود بناء في العراق أو مشاريع إسكانية أو حتى صفقات مع الجيش الأميركي في العراق، كما أننا لم نشاهد مشاريع عقارية أو سكنية يمكن أن تكون السبب الرئيس في أزمة الاسمنت!
بعدها بدأت الأسعار ترتفع تدريجياً في كل السلع، ابتداءً من الأحذية وحتى قطع غيار الطائرات التي تمتلكها الخطوط السعودية، اقصد أن المؤشرات كانت واضحة، ووزارة التجارة جهة حكومية مطلعة على كل المتغيرات في العالم، وتعرف إلى أين تتجه السوق. فلماذا وقتها لم تنبه المستهلكين إلى ضرورة أن يأخذوا الحيطة والحذر، لماذا لم نشاهد من الوزارة أي تحرك توعية من خلال التلفزيون أو النشر في الصحف أو غيرها من وسائل التوعية؟ كان من الممكن أن يكون هذا الجهاز الحكومي مركز رصد أشبه بجهاز ريختر لرصد الزلازل يحذر الناس، يجب أن يترك الوزير في دول عدة ويبحث عن فرص اقتصادية وأسواق واعدة، الوزراء في كثير من الدول يمارسون ضغوطاً، حينما يكون حجم الواردات لبلد مثل السعودية، تُعد ذات قيمة مالية ضخمة، يجب أن تحصل على ميزة.
زيادة الأسعار ستستمر، ولا مفر منها، والموضوع لا يحتاج إلى نقاش أو عاطفة أو حتى مبررات غير مقنعة، والجهات المعنية مطالبة بدرس ما يحدث، وأن نعرف السلع التي يتوقع أن تزيد أسعارها وربطها بالأسواق العالمية، فمثلاً نعرف أن السكر يواجه أزمة عالمية نتيجة النقص الحاد، والشيء نفسه يحدث في المواد البتروكيماوية والنباتية، مع تراجع المساحات الزراعية في العالم، إلا أننا نستغرب من زيادة أسعار حفائظ الأطفال، فهل لهذه السلعة علاقة بأي أحداث سياسية أو محلية، وكذلك البيض، والألبان، والفواكه المحلية. من غير المعقول أن ما نحصله من بيع النفط ننفقه على شراء حاجاتنا الاستهلاكية، لا توجد خطة تصنيع، ولا توجد برامج تشجيع أو دراسات لبحث منتجات بديلة ذات جودة ولكن بقيمة منخفضة، لدينا مشكلتان في السوق السعودية، هما ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة من الخارج نتيجة أسعار النفط غير المستقرة، وحال الدولار الأميركي الذي لا يزال يواجه أزمة في مقابل اليورو، وارتفاع داخلي نتيجة «السعودة العشوائية» التي فُرضت على الكثير من المحال والمصانع والشركات التجارية. وهذا تسبب في مضاعفة الأسعار في مقابل ضعف دخل الفرد السعودي وزيادة الإنفاق وارتفاع كلفة المعيشة، كل هذه العوامل أسهمت في اضطراب السوق وتفاقم الأزمة.
الجهات المعنية أو المجلس الاقتصادي الأعلى المعني برسم سياسة اقتصاد البلد من المهم أن يضع استراتيجية بعمل دراسات للنمط الاستهلاكي والتجاري، وتشجيع المصانع السعودية على أن يخرج من نمطه التقليدي والتفكير بجدية في تنويع الصادرات، فمن غير المعقول أن يكون بلد مثل الإمارات صادراته غير النفطية تصل إلى 18 في المئة، فيما الصادرات السعودية غير النفطية 12 في المئة فقط.
لا يمكن أن نحل الموضوع بزيادة عدد المراقبين ولا بخفض محال المندي ولكن بخطة واستراتيجية مدروسة لمواجهة الأزمة، والحقيقة أن هذا الدور لا يمكن لوزارة التجارة أن تلعبه لوحدها أو تنفذه بشكل منفرد، فوزارة التجارة لديها أعباء ومسؤوليات جسام مختلفة، أو كما قال زميلي عبدالله الربيعان الأسبوع الماضي في مقالته في الصفحة الاقتصادية بجريدة «الحياة»، أن الثوب بدأ يضيق ولا بد أن تنفصل وزارة الصناعة عن التجارة حتى تتفرغ لمسؤولياتها، وهذا جزء من المشكلة، فيما يتبقى الجزء الأهم في أهمية تشجيع ودعم الصناعة المحلية داخلياً.
ولا أعرف ماذا يقصد وزير التجارة السعودي حينما دعا الذين تضرروا من غلاء الأرز للتأقلم مع الوضع المستجد وتغيير طبيعة ونوعية استهلاكهم للمواد الغذائية. فهل يقصد أن نستبدل بالأرز المكرونة أو الخبز، أو نتخلى عنه؟ لو بالفعل حدث هذا في ظل الارتفاع الهائل لأسعار الأرز، فسينعكس إيجاباً وقبل أن تنفعلوا، أقول لكم: إنها فرصة لنخفف بها كروشنا المترهلة، «وأجسام نسائنا وبناتنا الممتلئات لحماً وشحماً». وبذلك نكون ضمنا فرصة الدخول إلى موسوعة غينس العالمية، إن لم يكن في زيادة الأسعار، أقلها في إجراء اكبر حمية تخسيس على مستوى البلاد، وليفرح الهنود بزيادة أسعار رزهم!
* إعلامي اقتصادي
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى) m