لم تتجاوز 48 درجة مئوية في الرياض
درجات الحرارة المرصودة في المملكة أقل بكثير مما يشاع وتظهره المقاييس العادية
- - 14/08/1428هـ
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن أحوال الطقس، وبالأخص درجات الحرارة، فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع أو نقرأ عن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة هذا الصيف، فهل حقا هناك تغير طرأ على درجات الحرارة، خاصة أننا نسمع الآن من ينادي بوقف العمل في أوقات الظهيرة؟ وهنا أود أن أستعرض وبشكل موجز كيفية قياس أو بالأحرى رصد درجات الحرارة ومن ثم محاولة الإجابة عن السؤال الملح عن صحة الارتفاع في القيم المرصودة لدرجات الحرارة.
تنقسم محطات الرصد الجوي إلى عدة أنواع حسب الغرض الأساسي من المحطة، ويمكن أن تقوم إحداها بجميع أعمال الرصد المناخية بعد توفير المتطلبات الفنية المطلوبة:
1 – محطات (السينوب) التي يتم فيها رصد العناصر الجوية ثم توقع على خرائط خاصة لتحليلها وإعداد التنبؤات الجوية عن حالة الطقس وتشمل محطات السينوب، محطات رصد العوامل السطحية، ومحطات رصد العناصر الجوية في طبقات الجو العليا.
2 – محطات الملاحة الجوية، والتي تنشأ في المطارات لخدمة الملاحة الجوية. ويمكن الاستفادة منها في إنجاز المهام المطلوبة من محطات السينوب، كما هو معمول به في الرئاسة العامة للأرصاد الجوية.
3 – محطات للأغراض الزراعية وتقوم على خدمة القطاع الزراعي بشقيه النباتي وال*****ي، وترصد فيها عناصر الوسط الفيزيائي للنبات وال*****، إضافة إلى بعض العناصر البيولوجية.
4 – محطات المناخ وتقوم برصد المعدلات الساعية واليومية والشهرية والسنوية لمختلف العناصر الجوية لمعرفة المناخ السائد في منطقة المحطة.
5 – محطات لأغراض خاصة لرصد كهرباء الجو ورصد الظواهر المائية بالرادار وعناصر الإشعاع وغيرها.
تقوم جميع محطات الرصد في العالم برصد العوامل الجوية (درجات حرارة الهواء والماء والتربة والضغط الجوي والرطوبة واتجاه الرياح وسرعتها، ومدى الرؤية، وارتفاع قواعد السحب ونسب هطول الأمطار والتبخر والإشعاع وفترات سطوع الشمس)، تحت ظروف متشابهة تمكن في النهاية من توفير المعلومة الصحيحة بالمستوى ذاته من الدقة والمرجعية. وتتمثل الظروف المتشابهة هنا في الأجهزة والمعدات المستخدمة في عمليات الرصد وكيفية نصبها وأسلوب عملها، وكذلك الظروف المكانية المحيطة بموقع تلك الأجهزة كأن يكون الموقع بعيدا عن المنحدرات والوديان، وبعيدا كذلك عن العوائق كالأشجار والمباني والمؤثرات كالإشعاع رغبة في الحصول على قراءات صحيحة لم تتأثر بما حولها من المؤثرات الخارجية بشتى أنواعها.
وفي المملكة، فإن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة هي الجهة المعنية بعمليات رصد العوامل المناخية بشتى أنواعها ولديها في ذلك إمكانيات متطورة نسبيا يعمل عليها كادر مؤهل بالخبرة والدراية العلمية وتسجل وتجمع جميع عمليات الرصد في جميع محطات الرصد في المملكة في مركز المعلومات المناخية في الرئاسة في جدة. ويقوم هذا المركز بجهود جيدة في سبيل توفير المعلومات المناخية للباحثين وطالبي المعرفة. ما نرجوه من هذا المركز ولا ينقص بأي حال من جهوده الموفقة هو توفير المعلومات كافة ولجميع السجلات القديمة والحديثة على موقع الرئاسة في الشبكة العنكبوتية.
وإذا اقتصرنا الحديث هنا على درجات حرارة الهواء السطحية والتي تشغل اهتمام الكثير من الناس، فإنه يقصد بها درجة حرارة الهواء التي يتم قياسها حسب المواصفات (العالمية) التالية:
1 – أن يكون المقياس على ارتفاع 2 – 3 أمتار فوق مستوى سطح الأرض حتى لا تتأثر القراءة بدرجة حرارة سطح الأرض التي تختلف عن درجة حرارة الهواء السطحي بالزيادة أو بالنقص حسب الفترة من اليوم.
2 – ألا يتعرض المقياس لأشعة الشمس المباشرة وغير المباشرة والإشعاعات الأرضية.
3 – أن يمر الهواء على المقياس بسهولة ودون مؤثرات.
4 – تتم عمليات رصد درجات حرارة الهواء – كغيرها من العوامل المناخية الأخرى – على رأس كل ساعة، وقد تؤخذ القراءات كل نصف ساعة في الظروف المناخية شديدة التغير.
إذن نحن أمام مواصفات عالمية محددة ومعروفة للمختصين العاملين في مجال الأرصاد الجوية، وليست المسألة مقياسا يوضع على السيارات أو في الشوارع كيفما اتفق. إن قراءة مقاييس الحرارة في الشوارع و في السيارات ما هي إلا أدوات ترصد درجات الحرارة في محيطها المتأثرة به ولا تدل بأي حال على درجة حرارة الهواء الجوي
. إن من يتمعن قليلا في المنطقة المحيطة بسيارة في حالة الدوران يلاحظ الاختلاف الواضح بين درجة الحرارة في محيط السيارة، وخاصة من المقدمة ثم تتناقص درجة الحرارة بعيدا عن السيارة. والمواد تتفاوت في نسبة امتصاص الحرارة والاحتفاظ بها اعتمادا على نوعية المادة ولونها، ولذا نجد أن مقابض أبواب السيارات أشد حرارة من غيرها من جسم السيارة. كذلك فإن السيارة محكمة الإغلاق تكون درجة الحرارة بداخلها أكثر ببضع درجات من درجة حرارة الهواء الخارجي.
إذن لا بد من ملاحظة أن مقياس درجة الحرارة في السيارات لا يقيس درجة حرارة الهواء الجوي وإنما يقيس تلك المتأثرة بما حولها من المعادن والهواء الساخن المتصاعد من مقدمة السيارة، وهذه تختلف عن الدرجة الحقيقية للهواء الجوي بما يقارب من 3 إلى 5 درجات مئوية. ولمن أراد أن يتأكد من هذه المعلومة فإن الأمر في غاية السهولة خاصة لمن يحظى بمواقف أرضية للسيارات مدعومة بجزء من هواء تكييف المبنى، فإنه عند الخروج من العمل سيرى أن درجة الحرارة ستكون في حدود 30 درجة مئوية حسب نسبة التكييف الموصلة للمواقف. ثم بعد الخروج والتوجه إلى المنزل سيجد كذلك أن قراءة درجة الحرارة لن تتجاوز 40، بل ربما لن تصلها وبالتأكيد حسب طول المسافة إلى البيت وتكرار التوقف في الطريق.
وينطبق على مقياس درجة الحرارة في الشوارع المثبتة من بعض الجهات ما سبق عن تلك الموجود في السيارات، إلا أن ارتفاعها عن مستوى السيارات يجعل تأثرها بهذا العامل أقل ولا ينفي هذا التأثر كلية، كما أن المؤثرات الأخرى كوجودها بالقرب من حركة السير والمباني ومسألة التهوية، وكذلك تأثيرات الإشعاع المباشر وغير المباشر تجعل القراءات غير دقيقة ولا يمكن اعتبارها تمثل درجة حرارة الهواء الجوي.
الحقيقة التي قد يستغربها الكثيرون هي أن درجة حرارة الهواء الجوي في مدينة الرياض لم تتجاوز 48 درجة مئوية، بل إنه من الملاحظ أن الأوضاع المناخية في مدينة الرياض بالذات تتغير سنويا إلى الأفضل – بإذن الله تعالى – ولكن هذا يبقى مشاهدات ينبغي دعمها وإثباتها بالبحث والدراسة.
دكتور مهندس/ علي بن عمير بن مشاري
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)