التقرير الأسبوعي لأسواق الولايات المتحدة
السياسة النقدية الأمريكية ستوزع جهودها نحو التضخم وحل أزمة الائتمان في الفترة المقبلة
مشهور الحارثي - - - 07/08/1428هـ
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)
أُجبر البنك المركزي الأمريكي على تغيير جهوده من التركيز على مكافحة التضخم فقط واضطر إلى توزيع طاقته وإعادة توجيه جزء منها نحو أزمة الائتمان أيضاً حيث قام يوم الجمعة محافظ البنك المركزي وتحديدا عند الساعة الثامنة وربع صباحاً بخطوة مفاجئة هي تخفيض سعر الخصم على القروض نتيجة الأزمة الشرسة التي تُحيط بأسواق المال الأمريكية والمتعلقة بالرهن العقاري والتي طالت سوق الائتمان وقد تطول مديري بنوك ومؤسسات مالية نتيجة التحقيقات المالية التي تدور رحاها منذ أكثر من أسبوع.
نعم لقد اضطر البنك المركزي أن يرضخ للأمر الواقع ويتعايش مع المشكلة الحالية الأكثر بروزاً من التضخم ولعل القارئ المُراقب لأخبار السوق الأمريكية يتذكر تعليق البنك المركزي الفيدرالي في اجتماعه الأخير في هذا الشهر عندما قال إن تركيزه واهتمامه متجه نحو التضخم مُتجاهلاً التعليق الواضح على أزمة الرهن العقاري التي كانت تشتعل في ذلك الوقت مما أصاب المُستثمرون بخيبة ورأينا السوق يهبط حينها، ولكنه يوم الجمعة الماضي وفجأة أجبر بضغط من هذه الأزمة على الخروج إلى الملأ والإعلان عن خفض سعر الصرف على غير العادة من 6.25 إلى 5.75 في المائة أي بمقدار 50 نقطة دفعة واحدة، ورغم هذه التحركات الإيجابية إلا أن المؤشرات الرئيسية أغلقت على انخفاض حيث مؤشر "داو جونز" هبط بنسبة 1.2 في المائة و"ناسداك" وS&P 500 بنسبة 1.6 و0.6 في المائة.
تخفيض سعر الخصم يعني تخفيض الفائدة على القروض قصيرة الأجل التي يمنحها البنك الفيدرالي للبنوك والمؤسسات المالية من 6.25 إلى 5.75 في المائة والمقصود منه إيجاد مصدر اقتراض بديل وقصير الأجل للبنوك والمؤسسات المالية وكذلك زاد البنك المركزي من فترة سداد هذه القروض إلى 30 يوماً، ولا علاقة لهذا التخفيض بسعر الفائدة الذي يراقب أخباره المُتداولون بسوق الأسهم والشركات التي تقترض لتمويل عملياتها التشغيلية حيث سعر الفائدة الحالي يقف عند 5.25 في المائة منذ مدة ولكن يتوقع المُحللون أن يضطر البنك المركزي في اجتماع أيلول (سبتمبر) المقبل إلى خفض سعر الفائدة حتى يدفع أصحاب الودائع إلى إخراج سيولتهم من البنوك وإدخالها إلى سوق الأسهم وإنعاشه.
التضخم والمساكن والمُستهلك
يبقى أن التضخم هو هم كبير بالنسبة للبنك المركزي الذي نجح بلا شك في تهدئته دون الإضرار بعجلة نمو الاقتصاد الأمريكي ولم يؤد أسلوب البنك المركزي في مكافحة التضخم إلى نشوء ركود اقتصادي، وأحد المؤشرات المهمة المُستخدمة في قياس التضخم هو مؤشر أسعار المُستهلكين CPI ومؤشر أسعار المُنتجين PPI. وكانت نتيجة مؤشر أسعار المُستهلكين CPI لشهر تموز (يوليو) مطابقة للتوقعات ومرتفعة 0.1 في المائة بينما مؤشر أسعار المُستهلكين الأساسي Core CPI ارتفع 0.2 في المائة فقط وصدرت أيضاً نتيجة أسعار المُنتجين PPI التي فاقت التوقعات بارتفاعها 0.6 في المائة بينما المؤشر الأساسي منه Core PPI ارتفع بشكل طفيف بنسبة 0.1 في المائة.
من الشركات التي أعلنت نتائجها المالية في الأسبوع الماضي Wall-Mart حيث كنت نتائجها أقل من التوقعات للربع الثاني، وهذه النتائج ستلفت الأنظار نحو إنفاق المُستهلك حيث يربط الاقتصاديون بينه وبين أزمة رهن العقارات التي يستخدمها المُستهلكون للحصول على السيولة، وكذلك أعلنت شركة Home Depot نتائجها المالية للربع الأول حيث انخفضت مبيعاتها للسبب نفسه ومن شركات التكنولوجيا أعلنت شركة HP عن ارتفاع أرباحها بنسبة 29 في المائة في الربع الثالث.
تأثير تخفيض سعر الخصم
أحتاج هنا لتوضيح ماذا يعني تخفيض سعر الخصم، أنه تخفيض الفائدة على القروض قصيرة الأجل التي يمنحها البنك الفيدرالي للبنوك والمقصود من هذا الإجراء هو إيجاد مصدر اقتراض بديل وقصير الأجل للبنوك والمؤسسات المالية وزاد من مدة فترة هذه القروض إلى 30 يوماً، وهذا الاقتراض يُعتبر عامل أمان يخدم البنوك والمؤسسات المالية التي تحتاج إلى سيولة مالية لتنفيذ عملياتها التشغيلية أو لتغطية هامش، ويبقى أن هذا الاقتراض ليس حلا بالنسبة للبنوك والمؤسسات المالية ونادراً ما يُستخدم من قبلهم لأنه يُعد وصمة عار على البنوك والمؤسسات المالية المقترضة من هذا المصدر والتي لا تريد الظهور بمظهر غير القادرة على الوفاء بالتزاماتها في السوق.
إذن ما الهدف من هذه الخطوة لتي اتخذها البنك المركزي يوم الجمعة الماضي وما هو مقصده من تخفيض سعر الخصم؟ هذه الخطوة التي اتخذها البنك المركزي تهدف إلى تحسين الحالة المزاجية لأسواق المال، وسوق الأسهم تحديداً، وتأكيد على أن البنك المركزي يهتم بالوضع ولا يُعد مثل هذا القرار حلاً للمُشكلة على الإطلاق ولكنه سيُسهم حسب رأي الكثير من الاقتصاديين الذين يرون أن على الشركات العاملة في مجال الائتمان الكثير من العمل الذي يجب أن تقوم به من جانبها حتى تُنقذ وضعها.
"المركزي" بين نارين
يقع البنك المركزي بين نارين وهي نار التضخم ونار ضرورة توفير السيولة وزيادة القدرة الائتمانية، لذا كان يحتفظ بسعر الخصم ثابتاً لمدة طويلة عند مستوى 6.25 في المائة حتى يُكافح التضخم، والآن اضطر لتخفيض سعر الخصم وانطبقت عليه مقولة "مُكره أخاك لا بطل" إذ عليه مواجهة النارين سوياً، وبعد القرار الذي اتخذه يوم الجمعة، ظهر بن برنانكي محافظ البنك المركزي، وكأنه تخلى عن هدفه الرئيس وهو محاربة التضخم.
يجب ألا يظن البعض أن المزيد من تخفيض الفائدة وسعر الخصم هو أمر إيجابي إذ إن المزيد من الخصم يعني التأثير سلباً في قيمة الدولار الذي ضعف أمام الين وأمام سلة العملات الرئيسية. من هنا فإن أمام البنك المركزي والشركات المالية الكثير من الأعمال التي يجب أن تقوم بها حتى يتم تصحيح الوضع، وأُشير هنا إلى أن طبيعة الحلول التي يقدمها أي جهة حكومية ممثلة في بنوكها المركزية أو الجهات الصانعة لسياستها النقدية هي حلول بطيئة النتائج بطبيعتها.
إذن لا يزال الوضع الحالي السيئ يحتاج إلى مزيد من الخطوات لتحسين وضع الدولار والائتمان حتى يستقر سوق الأسهم وحتى تُسترد الثقة، إذ لا يزال الوضع غامضاً. بعبارة أخرى فإن المطلوب هو اتخاذ إجراءات من قبل البنك المركزي ترفع من ثقة المتداولين بالسوق وإيجاد فرصة بديلة تزيد من حجم الائتمان لمدة طويلة قدر الإمكان مع عدم نسيان التضخم ومواجعه.
بانتظار المزيد
يصف البعض أن الخطوة التي اتخذها البنك المركزي بتخفيض سعر الخصم هي نصف خطوة وينتظرون منه المزيد ويرون أن ما قام بن برنانكي محافظ البنك المركزي هي عملية تهدئة وتهيئة في الوقت نفسه وكأنه يُلمح إلى قيامه قريباً بخطوة أكبر وهي تخفيض سعر الفائدة في اجتماع الثامن عشر من أيلول (سبتمبر) المقبل الذي تعقده اللجنة المفتوحة ونجح المحافظ في رفع معنويات سوق الأسهم والدليل الارتفاع السريع الذي حدث يوم الجمعة الماضي.
نعم يحتاج الاقتصاد الأمريكي إلى خطوات أخرى قبل أن يتورط في مشكلات بسبب أزمة الائتمان ولكن بقي شهر كامل تقريبا على اجتماع البنك المركزي، وخلال هذا الشهر قد تستجد أمور وقد تقوم الشركات العاملة في مجال الائتمان بخطوات تُحسن الوضع مع أن البعض يرى أن الوضع سيئ لدرجة لا يمكن لشهر واحد أن يُضيف شيئاً ذا قيمة، وبالتالي فإن تخفيض الفائدة آت لا محالة وهو جرعة نحو تهدئة الوضع النفسي سريعاً ولكنه حل طويل الأمد لوضع سوق المساكن، وسنرى ما يستجد حتى يأتي موعد اجتماع البنك المركزي القادم في أيلول (سبتمبر).
القطاع الصناعي
لن يستفيد معظم الشركات الصناعية من تخفيض سعر الخصم حيث إن طبيعة عملها الائتماني قائم على استخدام أوراق مالية تحصل بموجبها على سيولة توفرها لعملائها حتى تسهل عملية المعدات التي تبيعها شركات صناعية مثل "جنرال الكتريك"، على سبيل المثال، والتي لديها 69 مليار دولار على شكل أوراق مالية في السوق الأمريكي و28 مليار دولار في الأسواق المالية العالمية. من هنا فإن المُقرضين لهذه الشركات الصناعية مقابل الأوراق المالية سيقومون برفع تكلفة الإقراض التي تستخدمها الشركات الصناعية لتسهيل مبيعاتها على عملائها وبالتالي سترتفع أسعار هذه المعدات أو ستتقلص أرباح الشركات الصناعية، ولكن سيُسهم قرار تخفيض الفائدة المُنتظر في تخفيف معاناة القطاع الصناعي.
تجنب الفخ
يرى بعض المتداولين أن السوق سيرتفع بقوة Rally خلال هذا الأسبوع بعد القرار الإيجابي الذي أعلنه البنك المركزي الأمريكي، والحقيقة أن الوضع في أحسن أحواله هو أقرب إلى التذبذب بقوة أكثر منه إلى الصعود المُستمر، إذ يرى بعض مديري الصناديق أن هذا الارتفاع هو ردة فعل لا أكثر للقرار، من هنا فإن الاندفاع نحو الشراء من قبل المُستثمر هو أمر في غاية الخطورة، لذا فإن التصرف السليم هو الانتظار حتى تهدأ هذه الزوبعة وحتى تتضح الأمور، فسوق الأسهم موجود وباق والفرص ستتوافر دائماً ولكن السيولة إن ذهبت فلن تعود بسهولة، وتذكر المقولة المشهورة The Cash is King.
نظرة مُستقبلية
إن الاعتماد على المؤشرات المالية والمؤشرات الأساسية وتحليلها ومراقبتها هو أمر شائك ويحتاج إلى فرق عمل، وليس إلى جهد فردي، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتقييم اقتصاد ما. من هنا أفضل استخدام التحليل الفني لبناء توقع مُستقبلي على الأجل الطويل، وسنستخدم في هذا الرسم البياني الأسبوعي لمؤشر "داو جونز" ومؤشر "ناسداك".
عند استعراض مؤشر "داو جونز" على الرسم البياني الأسبوعي نجد أن المؤشر يسير في مسار صاعد منذ نيسان (أبريل) عام 2005 عندما كان يقبع جالساً قريبا من مستوى عشرة آلاف نقطة، وفي ذلك الوقت كان مؤشر "داو جونز" يُصارع متوسط حركة 200 يوم حتى تمكن في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2005 الارتفاع والتحليق وفي كل مرة يهبط كان متوسط حركة 200 يوم يقوم بدعم "داو جونز"، وحدث أن هبط تحت متوسط 200 يوم لمدة أسبوعين في تموز (يوليو) من عام 2006 فقط، ثم عاد ليسلك طريق الصعود مرةً أخرى، وأثبت متوسط حركة 200 يوم أنه مستوى دعم متين، ففي كل مرة يدعم "داو جونز" يكون شكل المتوسط متقعراً كأنه يحتضن "داو جونز".
خلال تداولات الأسبوع الماضي هبط "داو جونز" تحت متوسط 200 يوم بشكل مربك ولامس مستويات 12500، نقطة ثم عاد بعد قرار البنك المركزي بخفض سعر الخصم ليُغلق عند مستوى 13079.08 نقطة ليعود "داو جونز" ويسير في قناته الصاعدة مرة أخرى. ومنذ بدء هذه الأزمة فإن "داو جونز" كسر مستوى الدعم الذي كان موجوداً عند مستوى 13250 نقطة وأصبح محصوراً الآن بين 12795.93 و13250 نقطة ليتحرك بينهما وهذا النطاق الضيق للحركة في مثل هذه الظروف يجعل الانتظار والترقب هو التصرف الأسلم حتى يُحدد "داو جونز" توجهاته.
منذ بداية شهر تموز (يوليو) الماضي و"داو جونز" كون قناة هابطة صغيرة حادة الهبوط، فإذا لم يتمكن متوسط 200 يوم الموجود عند 12872 نقطة من دعم "داو جونز" ولم يُفلح أيضاً مستوى 12795 نقطة في دعمه، فسنراه يهبط إلى 11939.61 نقطة ليستقر عندها ويختبر مزاج السوق والمُتداولين، وإذا هبط أسفل منها فهذا يعني استنفاد آخر الفرص لإنقاذ "داو جونز" وسيُدخله في رحلة هبوط، والأمل معقود على أن يُنعش قرار خفض الفائدة المُنتظر الأمل في نفوس المُتداولين ويُعزز الوضع العام.
مؤشر "ناسداك" يسير في قناة صاعدة منذ نيسان (أبريل) 2005 وقد اختبر في الأسبوع الماضي أقرب مستويات الدعم له على عكس مؤشر "داو جونز" الذي كسر مستوى الدعم كما أوضحت أعلاه. إن مستوى 2531 نقطة ومستوى 2507 نقاط هما مستوي دعم مهمان وقد أغلق "ناسداك" يوم الجمعة أسفل منهما عند مستوى 2505.03 نقطة أي بمسافة قريبة ولكن طالماً أن "ناسداك" لم يُغلق تحت منطقة الدعم (الواقعة بين 2531 و2507 نقاط) ولمدة أسبوعين متتاليين، فإن الأمر لم يدخل مرحلة الخطر ويبقى الانتظار هو التصرف السليم والصحيح. الأمر السيئ بالنسبة لمؤشر "ناسداك" هو خروجه من القناة الصاعدة الثانوية والمتكونة في تموز (يوليو) 2006 مما يعني أن احتمال الهبوط هو الأقرب واختبار مستوى الدعم التالي عند 2331 نقطة هو الأقرب.
بشكل عام يبدو أن دخول السوق الأمريكي بموجة هبوط هو الاحتمال الأقرب رغم توجه البنك المركزي نحو تقديم حزمة حلول ذلك أن الحالة النفسية للمتعاملين هي سيدة الموقف والخوف هو الذي سيدفعهم إلى بيع أسهم معينة والخروج من السوق أو البيع واستبدال أسهمهم بأخرى. لذا أكرر يجب الحذر وعدم التسرع مهما كنت تتصور أن الأسعار مغرية. وهنا أذكر بأننا في صحيفة "الاقتصادية" نشرنا تقرير نهاية عام 2005 توقعنا فيه وصول مؤشر "ناسداك" إلى مستوى 2700 نقطة على الأجل الطويل مُستخدمين الرسم الأسبوعي Weekly Chart وتم تحقق هذا الهدف في تموز (يوليو) الماضي، أي استغرق الأمر عاماً ونصف العام وهذه مدة قصيرة عند الأخذ في الاعتبار التحليل على الأجل الطويل.